-A +A
عبدالله يحيى بخاري
يقال في الأثر إن «الدين المعاملة». وتأملوا معي، عندما أراد الله عز وجل أن يمتدح رسوله وحبيبه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام لم يجد أفضل من أخلاقه، فقال له «وإن لك لأجرا غير ممنون، وإنك لعلى خلق عظيم».
التعامل، والمعاملة والأخلاق، لهم إذا وقع عظيم في تعاليم ديننا الحنيف، وقيمة سامية قدرها الخالق عز وجل في أكثر من موقع من قرآنه المجيد.

وكنت قد كتبت سابقا قبل عدة أشهر مقالا عن حسن المعاملة، وحسن التنظيم، ودماثة الخلق، وطيب المقابلة التي يلقاها المواطن عند مراجعة كتابة العدل الثانية، بشمال جدة.
كتبت ذلك المقال من تجربة شخصية. وجميعنا نذكر كيف كان المواطن عندما يراجع كتاب العدل قبل بضعة أعوام يعاني الأمرين من الفوضى، وسوء التعامل، وإضاعة المعاملات، وعدم تواجد كتاب العدل في مكاتبهم أثناء أوقات الدوام، وطول الإجراءات والروتين، والكتابة اليدوية العقيمة.. إلى آخر ذلك من معاناة.
ثم حدث ما يشبه المعجزة منذ فترة وجيزة لا تتجاوز الأربعة أعوام، حيث تم إحلال كتاب عدل نشطين محل القدماء، وجهزت المكاتب بأجهزة الحاسب الآلي الحديثة، وتم تخزين الصيغة المناسبة لمختلف أنواع الوكالات وفئاتها في الحاسب الآلي اختصارا للوقت والجهد، وتم تدريب كتاب العدل من الرجال والشباب المستنير المتعلم والقادر على التعامل بكل كفاءة مع الحاسب الآلي، وتم تنظيم مواعيد المراجعات وأخذها وتقييدها مسبقا، فارتاح جمهور المراجعين، وارتاح أيضا العاملون في جهاز كتابة العدل، وساد النظام واختفى التكدس والتدافع والفوضى، وأصبح العمل ينجز بكل سهولة وفي هدوء وأوقات قياسية.
وكنت بعد زيارتي الأولى لا زلت أظن أن الحظ قد كان ساعدني في إنجاز أعمالي بتلك السرعة ودون مشقة تذكر، بالرغم من تأكيدات البعض بأن ذلك أصبح الجو العام. ثم اضطررت مؤخرا للقيام بزيارة أخرى لكتابة العدل الثانية بشمال جدة لإنجاز بعض الأعمال. تأكد لي في هذه المرة الثانية أن التطور الإيجابي الذي لمسته سابقا حقيقي وليس مجرد صدفة، بل وأن التطور مستمر من حسن إلى أحسن، وأن كتاب العدل العاملين في هذا الجهاز على قدر عال من النبل وكريم الخلق، يقومون بخدمة المواطنين ورعاية مصالحهم وراحتهم بكل ما أوتوا به من صبر ودماثة خلق وسماحة النفس. رأيت رجالا لا تفارق الابتسامة شفاههم، لا يتأففون ولا يتقاعسون إطلاقا عن مساعدة المواطنين، سواء شيوخا أم شبابا، رجالا أم نساء. كان المنظر رائعا وأنا أشاهدهم وأسمع كلماتهم الطيبة وهم يتعاملون مع أجهزة الحاسب الآلي بكل كفاءة، وينجزون أكواما من المعاملات بيسر وسهولة وفي سرعة لم أعهدها من قبل في أي جهاز حكومي آخر. وكنت أردد في قلبي «بارك الله فيكم وفي أعمالكم، وجزاكم الله كل خير».
بالطبع لم يحدث هذا التطور الإيجابي الرائع من فراغ، وإنما من خلال مبادرات وإجراءات متميزة اتخذها منذ توليه منصبه معالي وزير العدل، الذي يستحق الشكر من كافة المواطنين.
ولكي تكتمل الصورة الجميلة، نطمع أن تبادر وزارة العدل بتحسين بيئة العمل لهؤلاء الرجال المتميزين القائمين بالعمل في كتابة العدل الثانية بشمال جدة، بالإضافة إلى كتابات العدل الأخرى.
فبيئة العمل هي جزء من منظومة العمل الجيد وتساعد عليه، ولابد أن تكون على نفس المستوى العالي للجهد للعاملين في ذلك الجهاز الحيوي.
وحبذا لو أرسل معالي الوزير مندوبا من الوزارة ليتفحص حالة المبنى لكتابة العدل الثانية بشمال جدة، على سبيل المثال. فالمبنى في حالة متهالكة، وهو لم يصمم أساسا كمبنى إداري، بل كعمارة سكنية من الدرجة ما دون المتوسطة، وغير مجهزة لإدخال التكنولوجيا الحديثة. ولن ينفع في هذا المبنى إعادة تأهيله أو ترميمه أو تحسينه من الخارج أو من الداخل، فموقعه غير مناسب ولا تتوافر لديه مواقف سيارات كافية.
حبذا لو أسرعت وزارة العدل الموقرة في إنشاء مبان إدارية لائقة وعملية لكتابات العدل، على أن تكون لائقة ومدروسة جيدا من ناحية الشكل العام، ومواد البناء، والوظيفة أو الفاعلية، وسهولة تشغيلها وصيانتها، آخذة في الاعتبار راحة العاملين بداخلها وراحة المواطنين الذين يزورونها، وموزعة بشكل لائق على الأحياء الرئيسية في محافظة جدة والمدن الأخرى، ويسهل الوصول إليها، مع توفير العدد الكافي لمواقف السيارات المظللة والمشجرة. كل هذه الأمور لا تكلف الكثير من المال، وحتى وإن كلفت فهي في جميع الأحوال مكسب وتتويج لهذا الجهد الرائع في التطوير وحسن الأداء، والله من وراء القصد.